يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح لمعة الاعتقاد
196520 مشاهدة
الأدرمي يبطل حجج ابن أبي دؤاد في بدعه ويدعو للتمسك بكلام السلف

نقل أيضا عن الأدرمي محمد بن عبد الرحمن أنه قال لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي هل علموها أم جهلوها؟ فقال ذلك المبتدع: لم يعلموها؛ فقال: عجبا لك أيها المتأخر يجهل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون شيئا وتعلمه أنت.
هل نزل عليك الوحي؟ هل أنت تعلم الغيب؟ الغيب لا يعلمه إلا الله، والوحي ما نزل إلا على الرسل، من أين جاءك علمها، يجهلها الصحابة ويجهلها الخلفاء الراشدون ويجهلها نبي الله وتعلمها أنت؟!
شيء لم يعلمه هؤلاء تعلمه أنت؟! فقال ذلك المبتدع: قد علموها؛ كأنه انتقل إلى حجة أخرى فلما قال: قد علموها قال: وسعهم أن لا يتكلموا فيها ولا يدعوا الناس إليها ولا يعلنوها أو لم يسعهم؟
فقال: بل وسعهم سكتوا علموها وسكتوا ولم يدعوا الناس إليها ولم يعلموها الناس فقال له؟ كيف وسعهم ولم يسعك؟ لماذا تخالفهم؟ تدعو الناس إلى هذه البدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم ما دعا الناس إليها ولا دعا إليها خلفاؤه فانقطع ذلك الرجل، وكان الخليفة حاضرا فقال: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم.
هذا المبتدع هو ابن أبي دؤاد وكان مشهورا بالفصاحة ومشهورا بقوة الجدل، ابتدع أو كان من جملة من ابتدع القول بخلق القرآن أن القرآن مخلوق وأنه ليس كلام الله وأن الله تعالى لا يتكلم.
ولما اعتقد هذه العقيدة خيل إليه أن من ادعى أن الله يتكلم فقد شبه الله بخلقه، زُيِّن له أن الكلام لا يصدر إلا من اللهوات ومن اللسان والشفتين ومن الحنجرة، وأن ذلك يستلزم أن لله لسانا وشفتين وأنه شبيه بالخلق؛ هكذا خيل إليه فلأجل ذلك قال: إن القرآن مخلوق، كما خلق الله السماوات والأرض، وكما خلق الدواب فليس هو بكلام الله ولما زين له ذلك اتصل بالخليفة الأول المأمون وقال له: ادعُ الناس إلى هذه البدعة إلى هذا القول وامتحنهم فحصلت المحنة.
وحصل أن كثيرا من العلماء أجابوا مكرهين، وادعوا أنهم مكرهون على هذا القول، وحدث أيضا أن امتحن أكابر العلماء ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فإنه ضرب أكثر من مائة سوط أو مائتين وقيل إلى خمسمائة، وسجن أكثر من ثلاث سنوات وضيق عليه لما لم يجاوب ولم يوافق ابن أبي دؤاد .
وحصلت بينه وبينهم مجادلات ومناظرات، وكلما جاءوا بشبهة أبطلها وردها وإذا جاءهم بدليل انقطعوا ولم يقولوا شيئا ولم يدلوا بأية دليل صحيح؛ فعند ذلك لم يجدوا إلا أن يقولوا اضربه يا خليفة اسجنه لئلا يفتن الناس ولئلا يغيرهم عليك هذا، قيل هكذا حتى توفي المأمون قبل أن يصل إليه .. الإمام أحمد وتولى بعده المعتصم وهو الذي تولى ضرب الإمام أحمد وسجنه وبقيت خلافته ثمان سنين المعتصم .
وبعده تولى ابنه الواثق ولما تولى خفت الفتنة والمحنة في زمانه وحصلت هذه المناظرة من الأدرمي وهو حاضر لما أحضر هذا العالم محمد بن عبد الرحمن الأدرمي رحمه الله عند ذلك وقف بين يدي الخليفة، وجاء ابن أبي دؤاد فقال الأدرمي إن هذا عاجز لا يقدر أن يجيب عما أقوله فكأن الواثق وجد عليه، وقال: أيعجز أبو عبد الله يعني ابن أبي دؤاد فقال: إن الأمر سيتضح، فعند ذلك أدلى إليه بهذه الحجة وبحجج أخرى تجدونها مذكورة في أول كتاب الشريعة للآجري فقد ذكر طرقا لهذه القصة ولقصص تشبهها تبين من خلالها انقطاع ابن أبي دؤاد عن المخاصمة.
فبعد هذه المخاصمة وبعد هذه الحجة كأن المهدي تراجع عن هذا القول، وكأنه خفف الفتنة، ولكن لم يزل الأمر على الابتلاء لكثير من العلماء إلى أن مات الواثق وجاء بعده ابنه المتوكل فنصر السنة وقمع أهل البدعة وقرب وأظهر الإمام أحمد رحمه الله وقرب من كان من أهل الحديث على هذه الطريقة وإن كانت لم تطل أي خلافته وبكل حال الخليفة هاهنا في هذه القصة هو الواثق بن المعتصم .
وهارون الرشيد كان على السنة تولى الخلافة من أولاده ثلاثة الأمين والمأمون والمعتصم في وقت هارون الرشيد ما حدثت هذه البدع ولا تكلم الناس فيها إلا كلاما خفيا ككلام بشر المريسي ومن كان على طريقته وكذلك في خلافة ابنه الذي هو المهدي ابنه الذي هو الأمين .
أما في خلافة المأمون فقد تمكن منه هؤلاء المبتدعة وأضلوه.